القرآن الكريم يعج بالأدلة العقلية والبراهين التكوينية التي تثبت وجود الخالق ونعمه الجزيلة، فتارة تجده يحتج بمخلوقات الله الحية مثل الإبل وتارة يحتج بالسماوات كيف رفعت، وكل إنسان يجد له دليلًا تكتمل عليه الحجة به وكلٌ بحسبه، لأنه نزل لرجل البادية فتؤثر فيه الأدلة الحسية، ورجل الفكر والتفكر فتؤثر فيه الأدلة الأنفسية.
ولكن ليست هذه فقط احتجاجاته، فعند التتبع تجده يحتج بالمشاعر والعواطف الإنسانية، مثل من يداهمه الغرق في السفينة: "وظنوا أنه أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين"، هنا احتج بمشاعر الخوف وليس بدليل عقلي، فعندما خافوا الغرق آمنوا، وأيضا: "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين"، هنا احتج بمشاعر الإنسان أيضا، وغيرهما الكثير يجدها المتدبر في آيات كتاب الله العزيز.
إذاً في كل واحد منا مشاعر باطنة متشابهة لا تتبدل ولا تتخلّف ولن نكتشفها إلا إذا أصابتنا بعض الحوادث والبلايا، فعن الإمام العسكري "ع" "ما من بلية إلا ولله فيها نعمة تحيط بها"، وبعض العلماء إذا نزلت به شدة يعتبرها رخاءً لأنها تحرك فيه مشاعر لا تتحرك إلا في الشدة والبلية، مع عدم تمنيهم لنزول البلايا بهم بالطبع كما يقول رسول الله "ص": "إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي".
وإذا علمنا أن المشاعر ترتبط بروح الإنسان، وروح الإنسان ليست مخلوقة لهذه النشأة فقط، يتبين لنا أن بعض مشاعرنا الفطرية التي أودعها الله في أرواحنا يمكن أن ترتقي بنا لو علمناها لمراتب عليا في النشآت اللاحقة، فكلما تدرب الإنسان على تحريك مشاعره وعواطفه الباطنة انكشفت له خفايا كان لا يعلمها سابقاً، فمثلا عند فقد عزيز عليه يتبدل حال الإنسان ونظرته للحياة الدنيا.
ولهذا يقول بعض العلماء أن المرأة تصل أسرع من الرجل لمراتب أعلى إذا استقامت لأن مشاعرها متوقدة.
ويمكن تشبيه هذه المشاعر الباطنة الخفية علينا بجسم الجنين في بطن أمه، هو لا يدري ما هي أطرافه مثل اليدين والرجلين ولأي عالَم قادم قد خُلِقَت!.